توب ستوريمقالات

الدكتور أحمد النايب.. يكتب: دعم الدولة لتوطين صناعة الدواء.. رؤية من قلب الصناعة المصرية

نحن، كأحد المصنعين المصريين للدواء، نعيش اليوم مرحلة فارقة في تاريخ الصناعة الدوائية المحلية، فقد شهدنا تحولاً ملموساً في تعامل الدولة معنا، يعكس رؤية استراتيجية واضحة لدعم الصناعة الوطنية وتوطين الدواء بشكل يضمن استدامة الإنتاج ويعزز الأمن الصحي لمصر. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة إدراك الحكومة لأهمية الصناعة الدوائية كرافد أساسي للاقتصاد الوطني، ولقدرتها على مواجهة الأزمات المستمرة في سلاسل الإمداد العالمية، سواء بسبب تقلبات السوق أو نقص المواد الخام أو ارتفاع أسعارها.

تسهيلات هيئة الدواء وهيئة سلامة الغذاء

لقد لاحظنا خلال الفترة الأخيرة تسهيلات واضحة من هيئة الدواء وهيئة سلامة الغذاء، تمثلت في تبسيط الإجراءات التنظيمية وتسريع منح الموافقات والتراخيص، مع ضمان الالتزام بالمعايير الدولية للجودة وسلامة المنتج. هذه التسهيلات تمنح المصانع فرصة حقيقية للتركيز على تطوير خطوط الإنتاج، تحديث التكنولوجيا، وتحسين جودة المنتجات، بعيداً عن الروتين البيروقراطي الذي كان يمثل عقبة كبيرة في السابق، بالنسبة لنا، هذا الدعم لم يعد مجرد تسهيلات إدارية، بل هو شراكة استراتيجية تشعرنا بأن الدولة تسعى لتحقيق مصالح الصناعة الوطنية إلى جانب مصالح المستهلك.

حل الأزمات ودعم التوطين

أحد أبرز آثار هذه التسهيلات هو قدرتنا على مواجهة الأزمات التي كانت تؤثر على استقرار الإنتاج. فقد كانت فترات نقص المواد الخام أو تقلبات الأسعار تشكل ضغطاً كبيراً على خططنا الإنتاجية، لكنها اليوم أصبحت تحت السيطرة بفضل سياسات الدولة الداعمة للإنتاج المحلي. إن التركيز على توطين المواد الخام والمكونات النشطة يمنحنا قدرة على تخطيط الإنتاج على المدى الطويل، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد، ما يعزز استقرار السوق ويضمن توفر الأدوية للمواطنين بشكل مستمر.

أثر الدعم على الصناعة والصيادلة

هذا الدعم الحكومي يمتد تأثيره ليشمل جميع حلقات صناعة الدواء. فهو لا يفيد المصانع فقط، بل له انعكاس مباشر على الصيادلة والمواطنين على حد سواء. فمن خلال ضمان توفر الدواء محلياً، يمكن للصيادلة تقديم خدمة أفضل للمرضى، مع منتجات محلية عالية الجودة وبأسعار تنافسية. أما المواطن فيستفيد من حصوله على أدوية آمنة وموثوقة، دون مواجهة انقطاع أو تأخير في التوريد.

كما أن البيئة الداعمة التي توفرها الدولة تفتح فرصاً كبيرة للتطوير المهني والبحث العلمي. نحن كمصنعين قادرون على الاستثمار في البحث والتطوير، وتحسين جودة الدواء المحلي، واستكشاف تقنيات إنتاج جديدة. وهذا يتيح للصيادلة والمختصين بالمصانع اكتساب خبرات متقدمة، ويعزز قدراتهم على الإسهام في رفع مستوى الصناعة المحلية إلى معايير عالمية.

على المستوى الاستراتيجي، توطين صناعة الدواء في مصر لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة ملحة، فالإنتاج المحلي المستدام لا يحمي السوق من الأزمات فقط، بل يضع الصناعة الوطنية على خارطة التصدير، ويفتح المجال لتصدير المنتجات إلى الأسواق العربية والأفريقية، بما يرفع قيمة الصناعة ويجعلها محركاً اقتصادياً قوياً. نحن، كمصنعين، ندرك أن هذه المرحلة تتطلب التزاماً مستمراً بالجودة، واستثماراً في التكنولوجيا والبنية التحتية، وعملاً جماعياً بين المصانع والجهات الحكومية لضمان تحقيق أهداف توطين صناعة الدواء بشكل فعّال ومستدام.

كلمة أخيرة

في الختام، يمكن القول إن ما نشهده اليوم يمثل نقطة تحول حقيقية في تاريخ الصناعة الدوائية المصرية. الدعم الحكومي والتسهيلات التنظيمية تعطي المصانع القوة لتطوير إنتاجها وتوطين الدواء بشكل فعلي، مع ضمان استمرارية توافره وجودته. نحن كمصنعين نرى في هذه الرؤية فرصة لبناء صناعة دوائية وطنية قوية، قادرة على المنافسة محلياً وإقليمياً، وخدمة المواطن المصري، وتعزيز الأمن الصحي، وفي الوقت نفسه المساهمة في نمو الاقتصاد الوطني بشكل مستدام.

بقلم: الدكتور أحمد النايب

رئيس مجلس إدارة شركة يونيماك للأدوية والمكملات الغذائية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى