الدكتور محمد عصمت يكتب: قانون الإيجار القديم وتعديلات 2025.. تهديد مباشر لاستقرار الصيدليات وخدمة الدواء في مصر

في ظل التوجهات التشريعية الجارية لتعديل قانون الإيجارات القديمة، وبالرغم من ما قد يحمله المشروع المقترح من رؤية اقتصادية تستهدف تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، إلا أن تطبيق هذه التعديلات بصورة عمياء على جميع الوحدات التجارية –ومنها الصيدليات– يمثل خطراً حقيقياً على قطاع الصحة العامة في مصر، ويخالف صراحة روح الدستور ومبادئ العدالة الاجتماعية.
الصيدليات منشآت خاضعة لقانون خاص
الصيدليات ليست محالًا تجارية اعتيادية، بل هي منشآت صحية مرخصة بموجب قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955، وتخضع لضوابط مشددة من قبل وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية، وهي كذلك ملزمة قانونًا بوجود مسافة لا تقل عن 100 متر بين كل صيدلية وأخرى وفقاً للقرار الوزاري رقم 189 لسنة 1976، مما يمنع انتقالها بسهولة أو إيجاد بديل في حال صدور حكم بإخلائها.
مخالفة للمبادئ الدستورية
إن تطبيق هذه التعديلات على الصيدليات يُعد مخالفة صريحة للمواد الدستورية التالية:
• المادة (18) من الدستور المصري: تكفل الدولة توفير خدمات الرعاية الصحية لجميع المواطنين، ولا يجوز الانتقاص من أي حق صحي مكتسب.
• المادة (35): تنص على حماية الملكية الخاصة، وهنا الملكية لا تعني العقار فقط، بل تشمل كيان المنشأة المرخصة أيضًا.
• المادة (27): تؤكد التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المتوازنة، وهو ما يتعارض مع تشريد صيدليات تعمل منذ عشرات السنين.
موقف القضاء الإداري
أكدت محكمة القضاء الإداري مرارًا أن المرافق العامة والخدمات الصحية لا يجوز التعامل معها بمنطق الربح والخسارة التجارية البحتة. وفي أحد الأحكام الصادرة في 2019 (الطعن رقم ٢١٦٧٨ لسنة ٧٣ ق)، قضت المحكمة بعدم جواز إنهاء العلاقة الإيجارية إذا ترتب على ذلك ضرر بالصالح العام، ومنها منشآت تقديم الخدمة الصحية.
التأثير المتوقع على قطاع الدواء
• تشريد آلاف الصيادلة الملتزمين قانونيًا بعقود إيجارية ممتدة.
• إغلاق صيدليات خدمية تخدم ملايين المرضى في المناطق الشعبية.
• ارتفاع أسعار الأدوية والخدمة الصيدلية نتيجة لزيادة التكاليف أو انتقال الصيدليات إلى مناطق أغلى.
• نقص حاد في تغطية المناطق الفقيرة والمهمشة بالخدمة الدوائية الأساسية.
نداء للمشرّع
إننا، كصيادلة مصر، لا نرفض فكرة تطوير العلاقة الإيجارية، بل نطالب بإعمال التمييز الواجب بين الأنشطة، وأن يُستثنى من هذا القانون كل ما يتعلق بالخدمة الصحية – وفي مقدمتها الصيدليات – لحين وضع بدائل عملية تضمن استمرارها دون ضرر.
ندعو مجلس النواب الموقر إلى إعادة النظر في هذا القانون بما يراعي خصوصية المهن الطبية ودورها الحيوي في خدمة المجتمع، وإلى فتح حوار مجتمعي شامل يضم ممثلي النقابات المهنية المتأثرة مباشرة.
تسلط الضوء على البعد الإنساني والاجتماعي لتضرر ورثة الصيدلي من هذه التعديلات، خاصةً أن كثيرًا من الصيدليات الموروثة تمثل المصدر الوحيد للدخل والمعيشة لعائلات بأكملها.
البعد الاجتماعي: ورثة الصيدلي ضحايا محتملون
لا تقتصر آثار التعديلات على الصيدلي المرخّص وحده، بل تمتد إلى أسرته وورثته الذين غالبًا ما يواصلون العمل في الصيدلية باعتبارها مصدر رزقهم الوحيد، في إطار قانوني واضح يجيز نقل الترخيص للورثة المؤهلين بعد وفاة الصيدلي الأصلي.
وقد نص قانون مزاولة مهنة الصيدلة في مادته (30) على جواز استمرار تشغيل الصيدلية بعد وفاة صاحبها بواسطة صيدلي مدير، وبموافقة الوزارة، وهو ما يكفل للورثة حقًا مشروعًا في مواصلة النشاط دون تهديد بالإخلاء أو الطرد.
إن طرد ورثة الصيدلي من المحل المستأجر الذي يحوي الصيدلية، بعد وفاة مورثهم، هو بمثابة طرد غير مباشر من سوق العمل، وتجريد أسرة بأكملها من حقها الدستوري في العمل والكسب المشروع، بما يخالف المادة (12) من الدستور التي تلزم الدولة بحماية العمالة غير المنتظمة، والأسر التي لا تملك بديلًا.
✍️ بقلم: د. محمد عصمت
رئيس نادي صيادلة مصر _أمين عام نقابة صيادلة مصر