شركات الأدوية العالمية على أبواب الفوضى… من مواجهة التعرفات إلى إثارة الشكوك وسيناريوهات الخروج من الأزمة

تشهد صناعة الأدوية الأميركية والعالمية في الأيام الحالية انحسارًا في الاستقرار السياسي والتشريعي، مع تهديدات جديدة بفرض رسوم جمركية عالية على الأدوية المستوردة، إلى جانب مواقف وتصريحات مثيرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تُثير القلق داخل القطاع وخارجه.
ففي الأسابيع الأخيرة، أعلن ترامب عن نيّة فرض رسوم جمركية بنسبة تصل إلى 100% على الأدوية المبتكرة المستوردة، ما لم تؤسس شركاتها مصانع إنتاج داخل الولايات المتحدة.
هذه الإجراءات تستند إلى تحقيق بموجب البند 232 من قانون التوسع التجاري، بمعنى أن الحكومة ترى أن الاعتماد على الواردات في الصناعات الصيدلانية قد يشكّل تهديدًا للأمن القومي، بحسب تقارير إعلامية أوردتها وكالات الأنباء ومن بينها “أسوشيتد برس” الأميركية.
تأثير فوري على الصناعة
فرضت هذه التهديدات فوضى في تخطيط الشركات، حيث إن الكثير منها تستورد مكونات فعالة أو منتجات نهائية من الخارج. وسيؤدي فرض رسوم كبيرة على هذه المكونات إلى زيادة في تكاليف الإنتاج، ما قد يُترجَم إلى رفع أسعار الأدوية للمستهلكين أو تراجع هوامش الأرباح، بحسب تقرير حديث لـ”إيرنست آند يونغ”.
بعض الشركات العالمية الكبرى مثل “روش” و”نوفارتس” تقدّمت بطلبات إعفاء أو تفاوضت مع الإدارة الأميركية لتخفيف الضرر، مدعية أن استثماراتها في المصانع الأميركية تعادل تقريبًا حجم وارداتها، وأن فرض الرسوم سيُرهق التكلفة التشغيلية.
ومن بين الاتجاهات البارزة، أن بعض شركات الأدوية العالمية بدأت ضخ استثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة استباقًا لهذه التهديدات، مثل إعلان “أسترا زينكا” استثمار 50 مليار دولار في الإنتاج الأميركي.
لكن في وسط هذه الأزمة، فإن بعض الأدوية قد لا تواجه مشكلة بذات الحجم، فالأدوية الجنيسة (غير المحمية ببراءة اختراع) غالبًا ما تُستثنى من الرسوم، نظراً لأنها تعمل بهوامش أقل وتُعدّ حيوية للوصول إلى الرعاية الصحية بأسعار منخفضة.
تصريحات ترامب ترج الثقة
ولا تقتصر الأزمة على الضغوط الجمركية، بل تتداخل معها تصريحات ترامب التي تسبّب اضطرابًا إضافيًا داخل القطاع. فقد أدلى في مناسبات سابقة بتعليقات تشكك من فاعلية أو أمان بعض الأدوية القياسية مثل الباراسيتامول أو تلقي اللقاحات، ما يُنذر بشكوك في مواقف الحكومة تجاه الصحة العامة والعلم.
مثل هذه التصريحات تثير ذعراً بين المستهلكين والأطباء، وقد تُضعف الثقة في السلطات التنظيمية، خاصة إذا أفرزت سياسات مبنية على تفسيرات غير طبية أو ذات دوافع سياسية.
ووسط هذه الفوضى متعددة الأوجه، تجد الشركات -التي تعتمد تقليديا على استقرار السياسات الصحية- نفسها في معضلة؛ فمن جهة تواجه اضطرابات سوقية ومالية، ومن جهة أخرى فإنها مطالبة بالتجاوب مع دواعي تسويق منتجاتها الأساسية في بيئة من الشك والتردد.
المخاطر والتداعيات المحتملة
هذه الأزمة قد تسفر عن عدد من المشكلات العالمية الكبرى، أولها يتمثل في نقص الأدوية وارتفاع الأسعار، فقد تضطر بعض الشركات إلى سحب منتجاتها المستوردة أو تقليل الإنتاج المحلي إذا لم تكن قادرة على تحمل التكاليف، الأمر الذي قد يؤدي إلى نقص في الأدوية الضرورية.
المشكلة الثانية هي تراجع الابتكار، فمشاريع البحث والتطوير الصحية الكبيرة قد تُقلّص من الميزانيات لمواجهة الضغوط المالية، خصوصًا في الشركات المتوسطة أو الناشئة التي لا تملك القدرة على الانتقال بسرعة نحو الإنتاج المحلي.
والملمح الثالث يتمثل في احتمالية وجود تعيرات في خارطة مراكز الإنتاج العالمي، فقد تشهد مراكز الأبحاث والتصنيع في أوروبا وآسيا هجرة جزئية أو إعادة هيكلة لتخفيف المخاطر الناتجة عن السياسة الأميركية الجديدة.
أما المحور الأخير والأهم، فهي التداعيات على المرضى وقطاع الرعاية الصحية، فمع ارتفاع أسعار الأدوية أو تأخرها، يزيد العجز الصحي للأفراد ويُثقل كاهل أنظمة التأمين، خاصة في أمراض مزمنة أو حالات طارئة تعتمد على أدوية غالية.
سيناريوهات الخروج من الأزمة
بحسب تقارير لبعض المؤسسات البحثية الاقتصادية مثل “فوربس”، فإن الخروج من الأزمة قد يكون عبر عدد من الحلول، مثل توفير إعفاءات مشروطة وتشريعات وسيطة، بأن تمنح الإدارة الأميركية إعفاءات للشركات التي تؤسس مصانع جديدة أو توسع إنتاجها المحلي ضمن جدول زمني، كحل وسط لتخفيف أثر الصدمة على الصناعة والمرضى.
الحل الثاني يتمثل في تعزيز التصنيع المحلي، عبر تحفيز الشركات على بناء مرافق الإنتاج داخل الولايات المتحدة من خلال حوافز ضريبية، أو مساعدات استثمارية، أو تسهيل الإجراءات التنظيمية الصحية.
والتوجه الثالث هو تثبيت سياسة الثقة والتواصل العلمي، من خلال مواجهة التصريحات المثيرة للجدل بسياسات رسمية واضحة ودعم قوي للهيئات الصحية والعلماء في الإعلام لضمان أن القرارات الصحية تُبنى على الأدلة لا على الخطابات السياسية، وهو ما تسعى جهات مثل منظمة الصحة العالمية أو هيئات الأدوية الأوروبية للقيام به مؤخرا.
أما المحور الأخير فيتمثل في تنويع سلاسل الإمداد العالمية، وبدلا من الاعتماد على وجهة واحدة في التصنيع أو المصدر، يتم بناء شبكات إمداد متعددة في دول صديقة أو دون الخضوع الكامل لسيطرة طرف واحد.