كانت ساعة الغروب قد حلت فى يوم الإثنين ، العشرين من يناير ٢٠٢٥ ، و بينما كانت أشعة الشمس تنحسر عن ذلك المبنى العتيق في شارع قصر العيني ، و هو نقابة أطباء مصر، أو كما إشتهر بإسم “دار الحكمة” ، كنت ساعتها أُلبي دعوة الأستاذ الدكتور أسامة عبد الحي نقيب أطباء مصر لحضور الإجتماع الثاني لممثلي الجمعيات الطبية المتخصصة و ذلك لمناقشة مسودة قانون المسؤولية الطبية المُزمع إصداره قريباً.
و الحقيقة أننى سعدت بحضور هذا الإجتماع ، ليس فقط لأهمية القانون ، و لكن لرؤيتي لذلك الجمع من شيوخ الطب في مصر و القائمين على مختلف تخصصاته الصعبة و المعقدة و قد إنكبوا على صفحات القانون المقترح لصياغة مقترحاتهم لتعديله ، بينما شغلهم الشاغل هو مصلحة المريض المصري و مستقبل المهنة في مصر.
هذه المصلحة ترتبط بشكل مباشر بتهيئة المناخ المناسب للأطباء لممارسة هذه المهنة الصعبة ضمن نسق قانونى يضمن حقوق الطبيب و المريض على حد سواء ، و كذلك يضمن حصول مرضى الحالات الصعبة و الحرجة على فرص العلاج الجيد بدون تردد أو خوف من الأطباء أن يُحاسبوا على مضاعفات متعارف عليها و مذكورة في المراجع العلمية ، بينما يضمن القانون عقوبات رادعة لكل من يرتكب خطأ جسيم في حق مريضه و يسيء الى مهنة الطب.
الحقيقة أننى كنت ذاهب لهذا الإجتماع للمشاركة ببعض الآراء في القانون قيد الصياغة و كلي إحباط شديد مما ورد فى أول مسودةٍ له. و لكن هذا الإحباط تغير إلى تفاؤل حذِر و أمل كبير في التغيير للأفضل ، و ذلك بعد أن إستمعت إلى نقيب الأطباء و إلى العديد من شيوخ المهنة فى مصر ، و منهم على سبيل المثال أ. د. عادل العدوى رئيس جمعية جراحة العظام المصرية ووزير الصحة الأسبق، و أ. د. محمود المتيني مستشار رئيس الجمهورية للتعليم العالي والبحث العلمي ، و أ. د. جمال عميره وكيل نقابه الأطباء و استاذ جراحة الأورام ، و أ د. نادية بدراوي رئيس جمعية طب الأطفال حديثي الولادة و ا. د. شيرين غالب رئيس قسم الطب الشرعى بقصر العيني و غيرهم الكثيرين من رؤساء الجمعيات الطبية المتخصصة.
حقيقة لقد أدلى الجميع بدلوه فى شأن القانون و طالبوا بتعديلات منطقية تصب في مصلحة الطب المصرى و الطبيب و المريض بعدالة شديدة.
و ما أثلج قلبي حقيقةً ، هو ما أبلغنا به نقيب الاطباء من إهتمام معالي المستشار الدكتور حنفى جبالي ، رئيس مجلس النواب المصرى ، بمقترحات الأطباء لتعديل بعض بنود القانون بما يتماشى و المتعارف عليه عالمياً لدرجة ان سيادته استعان بمستشاره القانونى لمساعدة الاطباء في الصياغة القانونية لبعض التعديلات ، كما أفاد النقيب العام بما لاقاه من إستجابة طيبة من العديد من أعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب ، لمقترحات الأطباء ، فى بادرة تدل على إعلائهم لمصلحة الوطن قبل كل شيء.
الحقيقة أن هذا الإجتماع كان عبارة عن تجمع وطنى صادق مخلص من أجل رفعة الطب المصرى و من أجل العمل على صياغة قانون المسؤولية الطبية في احسن صوره و لأفضل نتيجة.
و لعلها كانت صدفة لطيفة أن تزامن هذا الإجتماع في نفس توقيت حفل تنصيب الرئيس الأمريكى الفائز في الإنتخابات ، دونالد ترامب و تسلمه مقاليد الرئاسة و الحكم من سابقه چو بايدن.
و كما تجمع شيوخ السياسة و المال و الفن في أمريكا في الكابيتول حول رئيسهم الجديد ليرسموا ملامح السياسة الأمريكية في الفترة القادمة ، فقد تجمع أيضاً شيوخ مهنة الطب في مصر في دار الحكمة ليرسموا ملامح قانونهم الجديد لينظم العلاقة بين الطبيب و مريضه بما يضمن أداء طبي أفضل في نطاق قانونى يحفظ الحقوق لكل الأطراف.
و إلى أن يصدر هذا القانون آخذاً في الإعتبار آراء و مقترحات شيوخ الطب في مصر ، ستظل جموع الأطباء المصريين في حالة ترقب و انتظار حتى تطمئن قلوبهم على مستقبل هذه المهنة على أرض المحروسة و ليتحقق الوئام الإجتماعي ، الذي إهتز نوعاً ما في الفترة السابقة ، و تتخلص العلاقة بين الطبيب المصرى و مريضه من شوائب مُستحدثة علِقت بها و شوهتها من حيث لا ندرى.