“نيوزويك”: الأمريكيون يقبلون على الذكاء الاصطناعي في تشخيص أمراضهم

في تطور مثير يشهده قطاع الرعاية الصحية الأمريكي، يتزايد اعتماد المرضى على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشخيص حالاتهم الطبية، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقة التقليدية بين الطبيب والمريض، ودور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل ملامح الطب الحديث وهذه التكنولوجيا بمثابة سلاح ذو حدين.
وأفادت دراسة نشرتها مجلة “نيوزويك” الأمريكية شملت أكثر من 2,000 من الأطباء والممرضين، كشفت عن حضور متنامٍ لأدوات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل الطبي.
ولفتت الدراسة إلى أن هذه الأدوات لم تعد مجرد مساعد للطبيب، بل تحولت تدريجيا إلى خيار بديل يلجأ إليه المرضى للحصول على تشخيص فوري لحالاتهم، في وقت قد لا يتمكنون فيه من زيارة الطبيب بسهولة.
وأشارت إلى أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية تجاوز 26 مليار دولار خلال عام 2024، وسط توقعات بأن يقفز إلى أكثر من 187 مليار دولار بحلول عام 2030، مدفوعاً بالطلب المتزايد على حلول تشخيصية سريعة وفعالة، تساعد في تخفيف الضغط عن كاهل المؤسسات الطبية والعاملين فيها.
وتقول “نيوزويك” إن هذا النمو الكبير يعكس تحولا في ثقة المرضى بالتكنولوجيا الطبية الحديثة، حيث باتوا يرون فيها وسيلة موثوقة للحصول على إجابات فورية لأعراضهم، دون الحاجة لانتظار مواعيد الطبيب أو خوض إجراءات روتينية مطولة.
لكن في المقابل، يحذر خبراء الصحة من أن هذا التحول لا يخلو من تحديات عميقة، أبرزها انتشار المعلومات الصحية غير الدقيقة، فقد أظهرت الدراسة أن 74% من الأطباء الأمريكيين يرون أن المعلومات المضللة المنتشرة عبر الإنترنت تُعيق التزام المرضى بالعلاج الصحيح، بينما أكد 53% أنهم يضطرون إلى تخصيص جزء من وقت الاستشارات لتصحيح مفاهيم خاطئة ناتجة عن تشخيصات غير دقيقة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كما تشير بيانات “استطلاع طبيب المستقبل 2025″، الصادر عن شركة Elsevier – إحدى كبرى دور النشر الأكاديمية والطبية في العالم – إلى أن 51% من الأطباء والممرضين يتوقعون أن يلجأ معظم المرضى خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى التشخيص الذاتي عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، قبل التوجه إلى الطبيب إن لزم الأمر.
ولفت التقرير إلى تزايد الضغوط الواقعة على الأطباء، إذ أفاد 28% منهم بعدم قدرتهم على تخصيص وقت كافٍ لكل مريض لتقديم رعاية عالية الجودة، بينما ذكر 69% أنهم يعالجون حالياً عدداً أكبر من المرضى مقارنة بعامين سابقين؛ وهو ما أرجعه 47% إلى تأثير الإرهاق المهني المباشر على جودة الأداء الطبي.
ورغم إقرار 95% من الأطباء بفوائد استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم المهام السريرية، إلا أن 16% فقط يستخدمونه فعلياً في اتخاذ قرارات طبية مباشرة، وأرجع 48% منهم ذلك إلى ضعف التدريب أو نقص الدعم المؤسسي، مما يحد من قدرتهم على دمج هذه التقنيات ضمن الممارسات اليومية.
وفي سياق تعليقه على نتائج الدراسة، قال الدكتور يان هيرزهوف، رئيس شركة Elsevier Health – لـ “نيوزويك” – “بينما تواجه أنظمة الرعاية الصحية تحديات متزايدة وضغوطاً على الموارد، فإن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة حقيقية لتحسين نتائج المرضى. نحن في نقطة تحول محورية، ويجب أن نتعاون مع المجتمع الطبي لتسخير هذه التكنولوجيا بالشكل الأمثل لخدمة الجميع.”
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن المؤسسات الصحية باتت مطالبة اليوم ليس فقط بتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي، بل أيضاً بوضع أطر تنظيمية واضحة وبرامج تدريب مكثفة تضمن الاستخدام الآمن والفعال لهذه الأدوات، دون التفريط في الدور الجوهري للطبيب، الذي يبقى في صلب العملية العلاجية من حيث التقييم الإكلينيكي، والتواصل الإنساني، والقرار الطبي النهائي.
ورغم التقدم الكبير في قدرات الذكاء الاصطناعي، إلا أن الطريق نحو الاعتماد الكامل عليه ما يزال محفوفاً بالاعتبارات الأخلاقية والمهنية التي تتطلب نقاشاً واسعاً وشراكة مسؤولة بين التكنولوجيا والعقل الطبي البشري.