الطب الرياضي

  زمن “النوموفوبيا”: كيف يرفع التفاوض مناعتك النفسية ضد إدمان الهاتف؟

 

حين تصبح المناعة النفسية خط الدفاع الأول في عصر الإدمان الرقمي

كتبت: بسنت شعراوي

تُخاض المعارك اليوم بطرق مختلفة عن ما سبق لها، فلم تعد على الأرض بل داخل عقولنا، وأصبحت المناعة النفسية خط الدفاع الأول في مواجهة الضغوط، والمشتتات، والتكنولوجيا التي اجتاحت حياتنا، نحن لا نعاني فقط من الأمراض العضوية، بل أيضًا من علل خفية تقوض سلامنا النفسي وتضعف قدرتنا على التواصل مع الذات والآخرين.

توجد ظواهر مستجدة باتت تهدد توازننا النفسي من أبرزها: “النوموفوبيا”، أو الخوف من الانفصال عن الهاتف المحمول، الذي تحول من وسيلة إلى ملاذ، ومن أداة تواصل إلى مصدر إدمان وهروب، لكن ماذا لو استطعنا مقاومة هذا التعلق من خلال تنمية مهارات داخلية حقيقية؟ وماذا لو كان الحل في التفاوض مع الذات بدلًا من محاربة التكنولوجيا؟

هذا ما توصل إليه الباحث الدكتور عمار السخاوي، في دراسته التي حصل بها علي درجة الماجستير في التربية تخصص الصحة النفسية، من معهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، بتقدير ممتاز مع التوصية بتداول الدراسة بين الجامعات، حيث شكلت نموذجًا تطبيقيًا مميزًا يظهر كيف يمكن للوعي النفسي والمهارات الحياتية أن تعيد الإنسان إلى توازنه، في هذا الحوار نغوص معه في تفاصيل بحثه، لاكتشاف أسرار الظاهرة، ولماذا طلاب الجامعات هم أكثر الفئات تأثرًا بها، وكيف يمكن للمناعة النفسية ومهارات التفاوض أن تصبح أداة للتعافي والتمكين.

“النوموفوبيا”… حين يختزل الأمان في إشعارات هاتفك

كيف بدأت رحلة البحث؟

كل شيء بدأ من موقف بسيط في إحدى محاضراتي حول تنمية الذات، لاحظت أن بعض الطلاب كانوا منشغلين بهواتفهم رغم الطابع التفاعلي للمحاضرة، بدلاً من التوبيخ، استخدمت معهم أسلوبًا تفاوضيًا هادئًا، وكانت النتيجة تحسنًا ملحوظًا في تفاعلهم، هذا السلوك لم يكن عابرًا، بل كشف نمطًا يستحق الدراسة.

هكذا بدأت أتساءل: ما السبب النفسي وراء هذا التعلق المفرط؟ قادني البحث إلى مفهوم “النوموفوبيا” أو فوبيا الانفصال عن الهاتف، ومن هنا نشأت فكرة رسالة الماجستير التي هدفت إلى فهم أعمق للظاهرة وتصميم تدخل إرشادي لعلاجها.


طلاب الجامعات.. أكثر من مجرد ضحايا للتكنولوجيا

لماذا ركزت على طلاب الجامعة؟

تركيزي لم يكن على طلاب الجامعة بشكل عام، بل اخترت طلاب الفرقة الرابعة بكلية التربية، لأنهم على وشك أن يصبحوا معلمين، وتأثيرهم سيمتد إلى أجيال مقبلة، هذه الفئة تمثل المرحلة الانتقالية بين الاعتمادية والاستقلال، مما يجعلهم أكثر عرضة للتوترات النفسية التي تُعالج رقميًا من خلال الإفراط في استخدام الهواتف.

الهواتف هنا ليست فقط وسيلة تواصل، بل ملاذ للهروب من القلق والتوتر، ما يزيد احتمالات الإصابة بالنوموفوبيا، خاصة في مجتمع رقمي يغري بالإشباع اللحظي على حساب العلاقات الواقعية.

مناعة نفسية أم هروب رقمي؟ كيف نبني الإنسان وسط زحام الإشعارات؟

لماذا استغرق البرنامج 25 جلسة؟

ظاهرة النوموفوبيا لا ترتبط بسلوك واحد بل هي نتاج تداخل عوامل معرفية، و وجدانية، و سلوكية، لذا فإن تصميم تدخل إرشادي فعال يتطلب وقتًا كافيًا لبناء المهارات وتعديل المعتقدات والسلوكيات، كل جلسة خُصصت لهدف محدد يخدم البنية العامة للبرنامج، وهو ما ساهم في إحداث تغيير ملموس لدى الطلاب المشاركين، الكثافة لم تكن عبئًا، بل ضرورة لتحقيق الأثر العميق والمستدام.

ما الهدف الحقيقي من البرنامج؟ وهل مجرد تقليل استخدام الهاتف كافٍ؟

الهدف لم يكن فقط تقليص عدد الساعات أمام الهاتف، بل بناء علاقة صحية ومتزنة معه، لذلك استهدفنا أربع أبعاد في البرنامج:

1. معرفي: تصحيح المفاهيم المغلوطة عن التعلق الرقمي.

2. وجداني: التعامل مع القلق الناتج عن الانفصال.

3. سلوكي: تعزيز استراتيجيات بديلة.

4. اجتماعي: تنمية مهارات التواصل الواقعي.

ما علاقة المناعة النفسية بالنوموفوبيا؟

المناعة النفسية هي القدرة على التكيف مع الضغوط دون السقوط في فخ الهروب، من يعاني من نوموفوبيا غالبًا يفتقر إلى هذه المناعة، ويبحث عن التعويض النفسي في الهاتف، لذا فإن تعزيز المناعة النفسية يعيد للفرد قدرته على المواجهة والتوازن دون الاعتماد على أدوات خارجية.

مهارات التفاوض… سلاح خفي في مقاومة الإدمان الرقمي

لماذا استخدمت مهارات التفاوض كأداة للتدخل؟

لأن التفاوض هو أداة لإدارة الذات قبل أن يكون وسيلة لحل النزاعات، حين يتعلم الطالب أن يتفاوض مع نفسه، أن يوازن بين الرغبة والحاجة، وأن يؤجل الإشباع اللحظي، يصبح قادرًا على مقاومة التعلق المرضي بالهاتف، هذه المهارات تغذي المناعة النفسية، وتمنح الشخص سيطرة داخلية حقيقية.

ما أبرز نتائج الدراسة؟ وهل حققت أهدافها؟

النتائج كانت واعدة، ظهرت فروق دالة إحصائيًا في مستويات المناعة النفسية وانخفاض مؤشرات النوموفوبيا لدى المجموعة التي خضعت للبرنامج، مقارنة بالمجموعة الضابطة، الأهم أن هذه النتائج استمرت في القياس التتبعي، ما يدل على تأثير عميق ومستدام، وتحقيق الهدف منها.

هل لاحظت تغيرًا حقيقيًا في سلوك الطلاب بعد إنتهاء البرنامج؟

نعم، ظهرت مؤشرات سلوكية إيجابية، وكثير من الطلاب بدأوا ينظمون استخدامهم للهاتف، يتواصلون واقعيًا، وينخرطون في أنشطة بديلة، هذه ليست تغييرات سطحية، بل تحول في نمط التفكير والسلوك، وهي دليل على فاعلية البرنامج.

رسالة الباحث للطلاب

ما الرسالة التي تحب توجيهها لطلاب الجامعات؟

“هويتك لا تبنى من عدد المتابعين، بل من قدرتك على اختيار ما تستحقه نفسك، الهاتف أداة، لا تجعله يسيطر عليك، تذكر أن قرار التوازن يبدأ داخلك، وأن الوعي هو أول خطوة لاستعادة السيطرة.”

العلم في خدمة التوازن النفسي

أكد الدكتور عمار السخاوي أن الدور الحقيقي للبحث العلمي لم يعد في الاكتشاف فقط، بل في تحويل المعرفة إلى أدوات تغيير اجتماعي ونفسي فعال، وبينما تغزو التكنولوجيا تفاصيل حياتنا، يبقى الأمل في بناء إنسان يمتلك مناعة نفسية حقيقية… ليختار وعيه بدلًا من أن تختاره شاشته.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى